يحلو للكثيرين مناداته بـاسم "ميداس"
حكاية "كارلوس سليم".. أغني رجل في العالم
لا
يُشبهه لقب "ميداس" البطل الأسطوري... والأحمق الحالم بتكديس المال من دون
جهد , مع ذلك يحلو للكثيرين مناداته بـاسم "ميداس"، مع ميل لتغيير مغزى
الأسطورة.
ليس
في وجهه ما يوحي بالإستثناءات، لكن كارلوس سليم الحلو (مواليد 1940) أغني
أغنياء العالم لثلاثة اعوام على التوالى حتى 2013 يتقن الكثير ويتلبّس دهاءً يجعل من اسمه بحد ذاته
لقباً , يبادر ويتحرك عندما يعجز الآخرون عن الحركة , يتحاشى السياسة
ويساير أسيادها يمزج بين ذكاء لامع وأعصاب فولاذية ومعرفة دقيقة بقوانين
اللعبة , يلاعب الأرقام كالدمى يرقّصها في رأسه، الأرجح ليس بدافع الجشع ,
فصاحب إمبراطورية المليارات ينام على وسادته مقتنعاً بأنه "لن آخذ شيئاً
معي إلى اللحد".
يتحدث
بالتفصيل عن شغفه بلعبة البيسبول الأميركية, يعرض بفخر مجموعته الفنية من
اللوحات والمنحوتات, ويشرح باعتزاز كيف ورث الفطنة في إدارة الأعمال من
والده المهاجر اللبناني يوسف (جوليان) سليم، الذي استثمر في العقارات
وافتتح متجراً في ذروة الثورة المكسيكية.
قبل كل شيء، يعترف سليم بهوسه اللامحدود بالأرقام: "بعض الأشخاص تعنيهم الكلمات، وأنا تعنيني الأرقام".
معادلة ملياراته الـ65 بسيطة وغير معقدة: "شراء شركات بأسعار رخيصة وإدارتها بذكاء لتحويلها إلى مصدر ربح".
فلسفة
تقترب من أسلوب "وارن بافيت"، المنتمي إلى نادي أغنياء العالم، أكثر منه
إلى أسلوب بيل جيتس.. هي الأرقام نفسها التي يقول إنها تبرّئه من الإتهامات
بممارسة الإحتكار وبإستخدام نفوذه لخنق المنافسة.
بدأت قصة نجاح رجل الأعمال كارلوس سليم المكسيكي اللبناني الأصل الذي حصل على لقب أغنى رجل في العالم لهذا العام، قبل أن يولد.
فقد
هاجر جده من جبل لبنان في 1902 ووصل إلى مرفأ تنبيكو في المكسيك عام 1902
برفقة أبنائه الثلاثة ثم انتقلوا عام 1911 إلى مدينة مكسيكو حيث أسّسوا
متجراً لبيع المواد المنزلية، أطلقوا عليه اسم "نجمة الشرق".
ولد
كارلوس في بداية عام 1940، خامساً في عائلة من ستة أولاد , أبوه جوليان
سليم حداد، وأمه ليندا حلو، فصار اسمه حسب التقليد الإسباني الذي يحفظ اسم
الوالدين كارلوس سليم حلو.
عشق التجارة
وهناك
في هذا المتجر تلقى كارلوس، الذي كان يعشق التجارة منذ صغره دروسه الأولى
في عالم الأعمال , ينقل كارلوس عن أبيه الذي توفي عام 1952، أن جده كان
يشتري أراضي وشققاً في مدينة مكسيكيو في عزّ الثورة، التي بدأت في العقد
الثاني من القرن العشرين، فأخذ أبناء الجالية يحذرونه من الظرف الدقيق وكان
يجيبهم: "بالعكس، إنه أحسن ظرف، الأسعار منخفضة والأراضي والشقق باقية في
المكسيك، لن تغادرها".
موهبة مبكرة
ظهرت
عليه بوادر موهبة مبكرة إذ كانت جيوبه منذ أن كان طفلا في العاشرة من
العمر تمتلئ بالنقود لأنه كان يبيع المشروبات والوجبات الخفيفة لأفراد
أسرته.
وفي شبابه كان يحتفظ بدفاتر يقيد فيها كل ما يكسبه وما ينفقه، واشترى سندا ادخاريا حكوميا تعلم منه دروسا قيمة عن الفائدة المركبة.
تخرّج
كارلوس سليم مهندساً، وفي أواسط السبعينات من القرن الماضي أسس شركتين،
واحدة للبناء وأخرى في البورصة، وكأنه أراد بإنجازه الأول، أن يؤشر عن سعة
آفاقه, اشترى في البداية معملاً لإنتاج علب السجاير، وبعد سنتين تملك أول
شركة للتبغ في المكسيك في الثمانينات، صار على رأس أكبر شركة تأمين ونائب
رئيس البورصة.
أسس شركة العقارات "جروبو كارسو" المتكونة من عدة شركات وبنك ومكتب وساطة للبورصة تعرف باسم "Inbursa", حيث براعته فى شراء العقارات بأقل مما تستحقه .
وفي عام 1981 اشترى سليم شركة Cigatam المتخصصة بتوزيع السجائر والتي لديها توكيل لماركة مالبورو في المكسيك.
واستغل
ذلك أحسن استغلال فموزعو السجائر يجمعون الضرائب للحكومة لكن بإمكانهم أن
يبقوها معهم لمدة شهر بدون فائدة قبل إرسالها إلى خزانة الدولة , وهذا ما
منحه نقدا جاريا يسمح له بالإستفادة من الأزمة الاقتصادية التي حلت
بالمكسيك في السنة اللاحقة، مما مكنه من الإنقضاض على أرصدة ثمينة مثل ""Sanborn
الذي يعد من أكبر المخازن المتخصصة ببيع السلع الرخيصة مع عدد من المطاعم؛
وشركة تأمين؛ وشركة إنتاج النحاس؛ وأكبر مصنع لأحواض الحمامات والمرافق.
وكان الإنقلاب الأكبر عند شرائه احتكار المكسيك "Telmex" للاتصالات الهاتفية في عام 1990 خلال موجة الخصخصة, وقاد اتحادا يتضمن France Telecom وSBC الأميركية
طريقة ذكية
بنى
كارلوس سليم حلو استثمارات ضخمة عن طريق اقتناص الشركات المتعثرة بأقل من
قيمتها الحقيقية واستعمال المال الذي تولده هذه الشركات لشراء المزيد
ومكنته قدرته من كسب مليارات الدولارات .
عرف سليم ( 65 سنة) غالباً على أنه مضارب بورصة ناجح يستثمر في الإطارات والتبغ والكابلات بالإضافة للمناجم والتجزئة
وفي عام 2003 اشترى سليم أصول عملية شركة AT&T في أميركا اللاتينية ب 10مليارات دولار.
وتضم
إمبراطوريته الضخمة عددا من أشهر متاجر التجزئة الكبرى بالمكسيك وكبرى
شركاتها في الإتصالات والفنادق والمطاعم والتنقيب عن النفط، وشركات للبناء
وبنك أنبورسا، مما يجعل من الصعب أن يمر يوم في المكسيك دون أن تدفع له بعض
المال.
وخارج المكسيك يملك سليم حصصا في مجموعات مرموقة مثل ساكس للتجزئة وشركة نيويورك تايمز.
علامات فارقة
وفي
حين يتهمه منتقدون باللجوء إلى الإحتكار لجمع ثروته، فإن سليم له فلسفة
بسيطة بشأن جمع الأموال، وقال لرويترز في عام 2007 "الثروة مثل البستان ما
يجب أن تفعله هو أن تجعله ينمو وتستثمر فيه ليصبح أكبر، أو تنوع لتخوض
مجالات أخرى".
وما يميز سليم هو شراء المؤسسات التي تواجه مشاكل وتحويلها إلى مناجم ذهب.
وفي
عام 2008 اشترى حصة أقلية في نيويورك تايمز حين هبط سعر السهم، والآن يمكن
أن يدر عليه مبلغ 250 مليون دولار أقرضها للناشر 80 مليون دولار، وأن يمنح
سليم حصة قدرها 16%، لكن سليم يقول إنه غير مهتم بأن يصبح من بارونات
الإعلام الأميركي.
لكن
استثمار سليم في الصحف أحدث هزة في المؤسسة الإعلامية بنيويورك، وفيما
تكهن مستثمرون بأنه قد يتحرك للإستحواذ على حصة أكبر في صحيفة التايمز، فإن
عملاق الإعلام روبرت مردوخ قال إنه يشك كثيرا في أن تتخلى العائلة عن
السيطرة لغريب، خاصة من خارج البلاد.
وقال
سليم ذات يوم "نعلم أن الأزمات تكون دائما مؤقتة، وليس هناك شر يستمر 100
عام، هناك دائما قفزة.. حين تكون هناك أزمة يحدث رد فعل مبالغ فيه وتبخس
قيمة الأشياء".
وتتناقض
ثروة سليم الهائلة بشدة مع نمط حياته المقتصد، وهو يعيش في نفس المنزل منذ
نحو 40 عاما، ويقود سيارة مرسيدس قديمة غير أنها مدرعة ويتبعها حراس، وهو
يتحاشى الطائرات الخاصة واليخوت والأشياء الفاخرة الأخرى التي تقبل عليها
النخبة في المكسيك.
ويشارك
سليم في مكافحة الفقر والأمية وسوء الرعاية الصحية في أميركا اللاتينية،
ويشجع مشاريع رياضية للفقراء، لكنه لم يعلن قط اعتزامه تخصيص مبالغ كبيرة
من ثروته للأعمال الخيرية مثل جيتس أو الملياردير وارن بافيت.
ويقول
إن رجال الأعمال يفعلون خيرا أكبر حين يوفرون الوظائف والثروة من خلال
الإستثمار، لا أن يكونوا مثل "بابا نويل" الذي يحقق الأمنيات.
ومنذ
عدة أعوام بدأ كارلوس يتحرك بشكل متزايد خارج المكسيك بحثاً عن أسواق أوسع
وأرباح أوفر ففي عام 2003 اشترى أصول "أي تي آند تي" بعشرة مليارات دولار,
كما اشترى حصة بقيمة 23 مليار دولار من "أميركا موبايل"، وهي أكبر مشغل
للهاتف المحمول في أميركا اللاتينية , وإلى ذلك فإن مجموعة "كارلوس"
المالية، والتي تمثل العمود الفقري لثروة كارلوس، تنشط أساساً في أميركا
الشمالية وأوروبا , وقد جاء اسمها من الأحرف الأولى لاسمه واسم زوجته "سمية
ضومط" التي اقترن بها عام 1967 وتوفيت بين يديه خلال رحلة طيران عام 1999،
ولهما ستة أبناء، وضع ثلاثة منهم، ماركو وانطونيو وباتريسيو، على رأس
إمبراطوريته، وهم يتولون إدارتها يومياً، بينما يُعنى هو باتخاذ القرارات
الإستراتيجية.
واستطاع
كارلوس أن يضيف إلى ثروته في عام 2009 نحو 18,5 مليار دولار، بينما أضاف
إليها في عامي 2007 و2008 نحو 12 و5 مليارات على التوالي , وفي المكسيك
يلقبونه "السيد المحتكر"، وكثيراً ما اعتبروه مجرد واجهة للرئيس الأسبق
"ساليناس"، المتهم بعمليات فساد واسعة النطاق , ورغم تأثيره القوي على
القرارات الحكومية والبرلمانية، فإن كارلوس ينفي أن يكون لديه مشروع سياسي
خاص، أو توجه لأن يكون برلسكوني أو الحريري المكسيكي.